إحدي المشكلات التي تواجه كبار السن وتهدد صحتهم الذهنية المشكلات الخاصة بالذاكرة ومدي قدرتهم علي الاحتفاظ بالمعلومات والتذكر، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة الأمراض الخاصة بفقدان الذاكرة وتدهور القدرات الذهنية مثل "الزهايمر" ولكن العلماء لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تلك الأمراض وتوالت الدراسات والأبحاث حتي توصلوا إلي إمكانية التقليل من انتشار هذه الأمراض والحد من تدهور الحالات المصابة وذلك من خلال تناول الغذاء الصحي خصوصا أنواعا معينة من الخضروات والفاكهة. وهذا ما سنتعرف عليه في السياق التالي. أولي هذه الدراسات كانت تشير إلي أن الخضروات تقلل من الإصابة بفقدان الذاكرة لدي المسنين حيث قام بهذه الدراسة باحثون أمريكيون واكتشفوا من خلالها أن المسنين الذين يتناولون ما لا يقل عن 2.8 طبق من الخضروات يوميا يتباطأ لديهم فقدان الذاكرة وتدهور القدرات الذهنية بنسبة 40% علي مدار ست سنوات بالمقارنة بأولئك الذين يأكلون أقل من طبق واحد يوميا ودرس فريق البحث 3718 شخصا في شيكاغو ممن تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر أوضحوا في استبيان ما يأكلونه. كما خضعوا لاختبارات لقياس القدرات الذهنية مرتين علي الأقل أثناء فترة الدراسة وفي المتوسط فإن أولئك الذين كانوا يتناولون الكميات الأكبر من الخضروات ذات الأوراق الخضراء مثل الخس والسبانخ سجلوا أقل فقدان للذاكرة وجاء في المرتبة الثانية من كانوا يأكلون خضروات صفراء مثل القرع وخضروات أخري مثل القرنبيط وقال الباحثون، في الدراسة التي نشرت في دورية علم الأعصاب إن البقوليات كالفول السوداني والعدس لها التأثير الأقل كما أن تناول الفاكهة بانتظام لم يعط أي تأثير واضح وقالوا إن أحد التفسيرات لفائدة الخضروات للذاكرة هو أنها تحتوي علي كميات كبيرة من فيتامين (ه) الذي يرتبط وجوده في الجسم بتحسن وظائف المخ واكتشفت الدراسة أيضا أنه كلما كبر الشخص في السن حدث إبطاء أكبر في فقدان الذاكرة إذا كان ذلك الشخص يتناول كميات كبيرة من الخضروات يوميا.
كما أظهرت دراسة جديدة لعلماء جامعة سينسينائي الأمريكية أن الاستهلاك اليومي من عصير العنب قد يعزز الذاكرة والقدرات المعرفية لكبار السن الذين يعانون من اضطرابات طفيفة بوظائف المخ وتضمنت الدراسة التي استمرت 12 أسبوعا 12 فردا يعانون من مشاكل بالذاكرة ولكن غير مصابين بالخرف حيث تم إعطاؤهم عصير العنب.
وأظهرت النتائج تحسن القدرات المعرفية والذاكرة بالأفراد الذين استهلكوا عصير العنب وبدون الإصابة بالاكتئاب أو حدوث زيادة بالوزن. ومن المعروف أن عصير العنب مصدر غني لمركبات البولي فينول المضادة للأكسدة والتي تزيد المركبات الضارة المسببة لعملية الشيخوخة وتقي من السرطان وأمراض القلب.
وكذلك من النباتات التي تستحوذ اليوم علي اهتمام طبي من نوع خاص باعتباره غذاء جيدا لتنشيط الدماغ وخفض ضغط الدم نبات البنجر beet وهو من النباتات اللذيذة الطعم والغنية بالمعادن والفيتامينات وغيرها من العناصر الغذائية المفيدة وتتجه الدراسات العلمية نحو دراسة التأثيرات الصحية الإيجابية لعنصرين متوافرين بغزارة في البنجر هما مواد النيترات nitrates الموسعة للشرايين والخافضة لضغط الدم وصبغات بيتالين الحمراء التي تعمل كمواد مضادة للأكسدة ومخففة لعمليات الالتهابات ومنشطة لتنقية الجسم من السموم وفي هذا السياق يأتي البحث الأمريكي الجديد حول علاقة تناول البنجر بالتغيرات في مقدار تزويد الدماغ بالدم والذي نشر بمجلة nitric oxide: Biology and chemistry المعنية بالبحوث العلمية المتعلقة بالجوانب الحيوية والكيميائية لمواد أكسيد النيتريك الموسعة للشرايين وقام الباحثون من جامعة ويك فوريست بولاية كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء أول دراسة أثبتت أن بإمكان عصير البنجر العمل علي زيادة تدفق الدم إلي الدماغ لدي كبار السن وهي نتيجة يعتبرها الباحثون واعدة في محاولات مكافحة تطور عته الخرف لدي كبار السن.
وأشار الباحثون إلي أنه إذا تناول أحدنا منتجات محتوية علي مواد النيترات، فإن البكتريا الصديقة good bacteria الموجودة في الفم والأمعاء وإفرازات عصارة الهضم كلها تعمل علي تحويل النيترات إلي مواد النيتريت nitrite وتمتصها الأمعاء لتدخل إلي الدم وتنتشر بالجسم. ومن المعروف علميا أن مواد النيتريت تعمل علي فتح الشرايين وزيادة تدفق الدم والأوكسجين من خلالها خصوصا أجزاء الجسم التي تشكو من نقص تغذيتها بالدم.
وقد قامت هذه الدراسة بإثبات ذلك خلال أربعة أيام من المتابعة لما يحصل في تدفق الدم إلي أدمغة مجموعة ضمت 14 شخصا من الذين تجاوزوا عمر السبعين عاما وتم في التجربة العلمية تناول بعض هؤلاء الأشخاص عصير جذور البنجر ضمن وجبة الإفطار وفق برنامج غذائي محدد في النوعية ووقت تناول الطعام خلال اليوم كله. كما تم رصد يومي لنسبة مادة النيتريت في الدم قبل وبعد تناول ذلك العصير أو عدم تناوله إضافة إلي إجراء تصوير يومي لمقدار تدفق الدم إلي الدماغ بواسطة الرنين المغناطيسي وأثبتت صور الأشعة أن الشخص حينما يتناول عصير جذور البنجر لا يزيد تدفق الدم إلي كل أجزاء الدماغ بل يزيد تدفق الدم فقط إلي منطقة الناصية frontallobes في الدماغ ومعلوم علميا أن هذه المنطقة الدماغية تؤثر علي التفكير واتخاذ القرارات وهي التي تتأثر خلال تقدم السن ويتسبب تلفها في عته الخرف وتدني قدرات التفكير الذهني.
تغذية المسن
وحول أسس التغذية السليمة الخاصة بكبار السن يحدثنا الدكتور فوزي الشوبكي أستاذ التغذية بالمركز القومي للبحوث فيقول: التغذية لها أسس ثابتة ومعروفة تنطبق علي كل الأعمار ولكن هناك بعض الممارسات الخاصة التي تناسب كل مرحلة سنية فمثلا لو تحدثنا عن تغذية المسنين فيجب أن يكون الطعام الذي يتناوله المسن كافيا لسد احتياجاته الغذائية من جميع العناصر فمثلا يحتاج المسن إلي مولدات الطاقة حتي يستطيع القيام بجميع العمليات الحيوية من حركة ونشاط وتمثيل غذائي ونشاط ذهني وعقلي وتقوية جهاز المناعة لديه لحمايته مما يمكن أن يتعرض له من ميكروبات أو أي أمراض معدية وبالتالي فلابد أن تحتوي الوجبة الغذائية علي مولدات الطاقة مثل السكريات ويفضل أن تكون من مصادرها الطبيعية مثل العسل الأبيض أو الأسود أو الفواكه التي تحتوي علي نسبة عالية من السكريات مثل العنب والتين والبلح وأيضا تحتوي الوجبة الغذائية علي النشويات مثل الخبز أو المكرونة أو البطاطس أو البطاطا وأيضا يجب أن تحتوي الوجبة الغذائية علي المواد الدهنية وأفضلها الزيوت النباتية سواء زيت عباد الشمس أو زيت بذرة القطن أو زيت بذرة الكتان المعروف بالزيت الحار، ويجب أن يتوافر فيها أيضا المواد المطلوبة للبناء وهي البروتينات وتكون إما من مصادر حيوانية كاللحوم الحمراء أو دواجن أو أسماك أو اللبن بمشتقاته أو البيض. ويضيف الدكتور فوزي الشوبكي أن المسن يحتاج أيضا إلي مصادر للفيتامينات والمعادن والألياف وأهمها الخضروات والفواكه الطازجة ويجب أن تكون الوجبة متوازنة بحيث تكون المواد النشوية الموجودة في الوجبة بنسبة تصل من 50: 60% وبنسبة 10: 15% بروتينات وهي إما لحوم أو بقول مثل الفول والفاصوليا واللوبيا والحمص والترمس ومن 10: 15% مواد دهنية ويفضل الزيوت النباتية وقليل من الزيوت الحيوانية وبقية الوجبة من الخضروات والفواكه.
وينبه الدكتور فوزي الشوبكي إلي ضرورة أن تكون أطعمة المسن سهلة الهضم ولا تميل إلي الصلابة لأنه عادة يعاني من مشاكل الأسنان وبالتالي نقدم له منتجات الألبان مثل الجبن أو الزبادي أو اللبن الرايب وأن تكون أنواع اللحوم سهلة المضغ مثل لحوم البتلو أو الأسماك غير الدهنية والخضروات السهلة مثل الكوسة والجزر وخلافه ويقول: يجب الحرص أيضا علي كيفية طهي الطعام للمسن فمن الأفضل أن نقدم له الطعام المسلوق غير المسبك لأنه أسهل في الهضم ولا يسبب تلبكات معوية فضلا عن أنه يحتفظ بجزء كبير من الفيتامينات المهمة التي يحتاجها المسن في هذه المرحلة ويجب أيضا أن نحرص علي أن نقدم أنواعا من الطعام يفضلها المسن حتي نتغلب علي مشكلة فقدان الشهية الجزئي الذي يعاني منه المسن كما يجب ألا نتقيد بعادة تقديم 3 وجبات في اليوم فيمكن للمسن أن يتناول خمس وجبات في اليوم وهذا لا يعني أن يتناول كمية طعام أكثر من احتياجاته بل يجب تقسيم الثلاث وجبات علي الخمس حتي لا يتناول كمية طعام أكثر من اللازم فيصاب الجهاز الهضمي بالتخمة وقد يصاب المسن بالسمنة ومضاعفاتها ومشكلاتها فيصاب بمرض السكر من النوع الثاني أو تصلب الشرايين أو التهاب المفاصل أو التهاب الأعصاب.
وينصح الدكتور فوزي الشوبكي المسن في هذه المرحلة بالاهتمام بتناول الأطعمة التي تبعث علي الحيوية سواء الجسدية أو العقلية ومن أهمها الخضروات والفواكه ويضيف: يمكن للمسن أن يتناول طبقا من السلاطة يحتوي علي جميع الخضروات سواء الحمراء أو الصفراء أو الخضراء ثلاث مرات يوميا فهذا يمده بكل الفيتامينات وأهمها فيتامينات مانعة الأكسدة والمركبات الأخري التي لها القدرة علي منع الأكسدة وهذه المركبات حيوية جدا في هذه المرحلة لأنه من المعروف أن المسن في السن المتقدمة عادة ما يعاني من عملية تكسير في كثير من خلايا أعضائه المختلفة سواء في العضلات أو الكبد أو الكلي أو حتي خلايا المخ وهذه المركبات تبقي علي الخلايا في حالة سليمة وخصوصا خلايا المخ وهذا ما يساعده علي الاحتفاظ بوظائف المخ وعدم التعرض لأمراض النسيان أو أي أمراض أخري يمكن أن تصيب المخ.
وينصح الدكتور فوزي المسنين بتناول الأطعمة التي تحتوي علي الأحماض الدهنية غير المشبعة والتي تسمي بالأوميجا 3 وتوجد هذه الأحماض الدهنية في زيوت الأسماك مثل الماكريل والتونة والسلمون والزيت الحار وأيضا بعض المكسرات مثل اللوز والبندق والفول السوداني وهذه الأحماض الدهنية تقوي جهاز المناعة وتحمي من تصلب الشرايين وتحافظ علي جدران خلايا المخ حيث إنها المكون الرئيسي لهذه الجدران. كما ينصح بالحرص علي تناول البروتينات الحيوانية سهلة الهضم مثل اللبن منزوع الدسم والبيض المسلوق بمعدل لا يزيد علي بيضة واحدة في اليوم حيث إن هذه البروتينات تحتوي علي أحماض أمينية هي المسئولة عن تكوين الموصلات العصبية التي تساعد علي أداء المخ لوظائفه مثل هرمونات السيروتونين والدوبامين والأسيتايل كولين وهذه الموصلات العصبية تحتاج إلي أحماض أمينية موجودة في البروتينات الحيوانية بما فيها اللبن ومنتجاته إضافة الي الفيتامينات والمعادن. ويجب علي المسن أيضا أن يراعي أوقات تناول الوجبات فيجب الحرص علي تناول وجبة الإفطار وأن تحتوي هذه الوجبة علي كمية مناسبة من السكريات البسيطة مثل العسل بأنواعه والمربات المختلفة إلا إذا كان يعاني من مرض السكر فيجب في هذه الحالة اتباع إرشادات الطبيب، أيضا يجب علي المسن عدم تناول الطعام قبل النوم مباشرة بل يجب أن تكون وجبة العشاء قبل ساعتين من نومه ويفضل أن يقوم بحركة ولو قليلة مثل السير داخل المنزل حتي يساعد الجهاز الهضمي علي أن يتعامل مع الوجبة الغذائية وأن ينام نوما هادئا بعد ذلك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق